فضل يوم الجمعة
الجمعة مارس 28, 2014 7:12 am
فضل يوم الجمعة
يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة:9-11].
يوم الجمعة يوم عيد للمسلمين:
شرع الله لنا يوم الجمعة نحن المسلمين ليكون عيدًا أسبوعيًّا، ومؤتمرًا دوريًّا ربانيًّا، يلتقي فيه الناس على طاعة الله، على كلمة التقوى، على ذكر الله عزَّ وجلَّ، وهذا لأن هذا اليوم يوم عيد للمسلمين، كُره فيه الصيام، فلا ينبغي الصيام في يوم العيد، فهو أشبه بالعيد السنوي، ولهذا كان الصيام في يوم العيد حرامًا، وفي يوم الجمعة مكروهًا. ومعنى الصيام هنا صيام التطوُّع، مَن أراد أن يتطوَّع بالصيام في يوم الجمعة فذلك مكروه، ولكن إذا أراد أن يقضي ما فات عليه، أو صادف يومًا من الأيام التي يُسنُّ فيها الصيام، كأن صادف يوم عرفة، أو يوم عاشوراء، أو صام يومًا قبله ويومًا بعده، فلا حرج عليه.
خصَّ الله تعالي يوم الجمعة بصلاة الجمعة:
يوم الجمعة عيد أسبوعيٌّ، ولهذا جمَّله الله بهذه الصلاة الأسبوعية، صلاة الجمعة فرضها الله في هذا اليوم، وجعلها بدل صلاة الظهر، فرضها فرضًا، فإذا نُودي إليها لم يَسَع مسلمًا أن يتخلَّف عنها، فرضها على الرجال دون النساء، وعلى المقيمين دون المسافرين، وعلى الأصحَّاء دون المرضى، ولكن إذا صلَّى المسافر الجمعة، أو صلَّت المرأة الجمعة، فلا حرج عليها، وقد كان النساء يذهبن إلى مسجد النبيَّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة، وفي الصلوات الخمس.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9]، ينبغي أن تتعطَّل أعمال الدنيا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، يَدَع البائع بيعه، ويَدَع المشتري شرائه، ويَدَع المستأجر إجارته، ويَدَع العامل عمله، يَدَعُون هؤلاء أعمالهم، ويذهبون إلى صلاة الجمعة، إلى ذكر الله عزَّ وجلَّ، إلى هذه الجماعة التي أوجبها الله تعالى في كلِّ أسبوع.
الإسلام دين الجماعة:
الإسلام دين الجماعة، وليس دينًا فرديًّا، لا يحب للمسلم أن يعيش وحده، "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"([1])، "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدُّ بعضه بعضًا"([2])، و"يد الله على الجماعة "([3]).
ومن هنا حثَّ الإسلام على صلاة الجماعة كلَّ يوم خمس مرات، فصلاة الجماعة سنَّة مؤكَّدة، بل واجبة في مذهب الإمام أحمد. مذهب الإمام أحمد يرى أن صلاة الجماعة واجبة على الرجال إلا من عذر، فمَن لا عذر له لا ينبغي أن يصلِّي وحده[4]. فإن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم همَّ أن يحرِّق على قوم بيوتهم؛ لأنهم يتخلَّفوا عن صلاة الجماعة([5]). ولم يُجِز لرجلٍ أعمى شاسع الدَّار أن يصلي في بيته ما دام يسمع النداء، قال له: "لا أجد لك رخصة"([6]). وذلك ليجتمع المسلمون كلَّ يوم على هذه الصلوات، فتقوى صلاتهم، وتتوثَّق رابطتهم، وتشتدُّ علائق أخوَّتهم، يسأل بعضهم عن بعض، فإذا غاب أحدهم عن الجماعة سألوا عنه، فإذا كان مريضًا عادوه، وإن كان مشغولاً أعانوه، وإن كان ناسيًا ذكَّروه، وهكذا كان المجتمع المسلم.
صلاة الجماعة اليومية خمس مرات، ثم يأتي الشرع الإسلامي ليوجب صلاة الجمعة في كلِّ أسبوع، صلاة الجماعة في مسجد الحيِّ، وصلاة الجمعة في المسجد الجامع، وهو تجمُّع أكبر، وهو تجمُّع واجب، وتجمُّع مفروض، يخرج المسلم من بيته، أو من متجره، أو من أيِّ مكان هو فيه، إذا سمع النداء، ليجيب نداء الله، ويؤدِّي فرض الله، ويلتقي مع أخيه على طاعة الله، {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9].
خطبة الجمعة لذكر الله:
إنه سعي إلى ذكر الله؛ لأنَّ صلاة الجمعة عبادة لله، وخطبة الجمعة خطبة لذكر الله، ليست لذكر فلان ولا علان، قد يخطب الخطيب في قضايا الناس، ويتحدَّث عن مشكلات الناس، ويجيب عن تساؤلات الناس، ولكن تظلُّ الخطبة لإقامة ذكر الله، يتخلَّلها ذكر الله، والتذكير بالله، وبأسماء الله، وبلقاء الله، وبحساب الله، وبدين الله، وبفرائض الله، وبحرمات الله. هي ذكر لله؛ ولذلك تبدأ بالحمد الله، وبالشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وبالحث على تقوى الله.
لا يجوز التخلُّف عن صلاة الجمعة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9]، لا ينبغي لإنسان أن يظلَّ مشغولاً عن صلاة الجمعة، لا ينبغي أن يكون ديدن المسلم كلَّ أسبوع أن يسافر ويتنزَّه ويرتحل ليضيع صلاة الجمعة على نفسه، وتمرُّ الأيام والأيام وهو لا يصلِّي الجمعة، لا يجوز أن يتخلَّف عن الجمعة بلا عذر ثلاث مرات، ففي الحديث: "مَن ترك ثلاث جمع تهاونا من غير عذر طبع الله على قلبه "[7]. طبع الله على قلبه، ختم على قلبه فلا تصل لهذا القلب أشعة، ولا أنوار التوحيد.
يصبح قلبًا مظلمًا مغلقًا مطبوعا عليه، {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23].
صلاة الجمعة فريضة أسبوعية، ينبغي أن يحرص عليها المسلمون، وأن يتجمَّع عليها المسلمون، ولا يجوز لأحدِ أن يتخلَّف عنها، الإسلام ليس كاليهوديَّة، جعلت العمل في يوم السبت حرامًا، لا يجوز القيام بعمل دنيوي في يوم السبت، حتى إنه ابتُليت طائفة منهم بالصيد يوم السبت، تأتي الأسماك والحيتان شارعة مرتفعة أمامهم، فلم يُطيقوا صبرًا، فماذا فعلوا؟ احتالوا فوضعوا الشباك مساء يوم الجمعة، ليصيدوها بعد ذلك في يوم الأحد، وذكر ذلك القرآن فيما ذكره عن هؤلاء المحتالين على ما حرم الله، وجعلهم قردة، قال لهم: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65].
الإسلام لم يحرِّم العمل في يوم الجمعة:
ولكن الله سبحانه وتعالى أعفى هذه الأمُّة من ذلك، فيستطيع المسلم أن يعمل في أيِّ يوم من أيام الأسبوع، ليس في الإسلام تحريم للعمل الدنيوي في أيِّ وقت من الأوقات، يستطيع المسلم أن يعمل في يوم الجمعة، وأن يعمل في شهر رمضان، وأن يعمل في الأشهر الحرم.
كلُّ ما هو مطلوب منه، إذا سمع النداء يوم الجمعة عليه أن يستجيب، وَيَدَع كلَّ ما في يديه، مهما كان وراء ذلك من مكاسب، ومهما كان وراء ذلك من صفقات، القرآن يقول: {وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9]، لقد وصف الله المؤمنين أنهم في صلاتهم اليومية لا يشغلهم بيع ولا تجارة، ولا عمل من أعمال الدنيا التي تشغل الناس عن حقِّ الله تعالى.
تكلَّم الله عن المساجد فقال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:36-38]، لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فكيف بصلاة الجمعة؟ لا ينبغي للمسلم أن يلهيه شيء عن هذه الصلاة، وهذا هو شأن المسلمين، يحرصون على هذا اليوم، وعلى هذه الصلاة، صلاة هذا العيد الأسبوعي.
ما يُستحبُّ في يوم الجمعة:
يذهب إليها المسلم متطهِّرًا متوضأ، حسن المظهر، في أطيب ريح، من السنة أن يغتسل المسلم ليوم الجمعة، غسل يوم الجمعة سُنَّة، وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه واجب، لأن هناك حديث يقول: "غسل الجمعة واجب على كلِّ محتلم "[8]، وحديث يقول: "حقٌّ على كلِّ مسلم، في كلِّ سبعة أيام، يوم يغسل فيه رأسه وجسده"[9]. وأحقُّ هذه الأيام هو يوم الجمعة، حقٌّ عليه يوم يغسل فيه رأسه وجسده، فإذا كان الناس في الأديان السابقة يتقرَّبون إلى الله بالقذارة، حتى إن بعضهم وصف قديسًا فقال: ما أعظمه، لقد عاش عمره ولم يقترف إثم غسل الرجلين[10].
نحن في ديننا نعتبر الطهارة عبادة، والنظافة قُربة، والضوء شرطًا لصحَّة الصلاة، طهارة الثوب والبدن والمكان شرط لا بدَّ منه لعبادتنا اليومية الصلاة، ولعبادتنا الأسبوعية صلاة الجمعة، ولكلِّ صلاة.
يذهب المسلم لهذا اليوم مغتسلاً متطيِّبًا متعطِّرًا؛ حتى لا يُشمَّ منه إلا أطيب ريح، حتى إن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمر مَن كان كريه الرائحة ألا يأتي المسجد، كمَن أكل ثومًا أو بصلاً، حتى لا يُؤذيَ الناس، وقال: "مَن أكل ثومًا أو بصلاً فلا يقربنَّ مصلاَّنا، أو فليعتزل مسجدنا"[11]. فليذكر ذلك الذين يُؤذون الناس برائحة التدخين، لا يقربنَّ مصلاَّنا.
يذهب المسلم يوم الجمعة مغتسلاً متطهِّرًا متطيِّبًا متعطِّرًا، لابسًا أحسن ما عنده من ثياب، حتى يظهر بأحسن مظهر، يكون طيِّب المخبر وطيب المظهر، وكان للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثوبًا لصلاة الجمعة والعيد، وللقاء الوفود، أعدَّه ليلقى الناس بأحسن هيئة، فالله جميل يحبُّ الجمال([12]).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ..} [الجمعة:9].
ــــــــ
[1]- رواه أحمد (27513)، وقال مخرجوه: حسن، أبو داود في الصلاة (547)، والنسائي في الإمامة (847)، وابن حبان في الصلاة (2101)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (511)، عن أبي الدرداء .
[2]- متفق عليه: رواه البخاري في الصلاة (481)، ومسلم في البر صلة (2585)، عن أبي موسى.
[3]- رواه الترمذي في الفتن (2166)، وقال: حسن غريب، وصححه الألباني في إصلاح المساجد (61)، عن ابن عباس.
[4]- الكافي في فقه الإمام أحمد (1/287).
[5]- إشارة إلى الحديث المتفق عليه : " والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب، فيحطب، ثم آمر بالصلاة... " رواه البخاري في المساجد (644)، ومسلم في المساجد (651)، عن أبي هريرة.
[6]- رواه أحمد (15490)، وقال مخرجوه : صحيح لغيره، وأبو داود في الصلاة (552)، والنسائي في الإمامة (851)، وابن ماجه في المساجد (792)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (561)، وقال النووي في المجموع (4/191): إسناده صحيح أو حسن، عن عبد الله بن أم مكتوم.
[7]- رواه أحمد (15498) وقال مخرجوه: إسناده حسن، وأبو داود في الصلاة (1052)، والترمذي (500) وقال: حسن، والنسائي (1369)، والحاكم (1/280) ثلاثتهم في الجمعة، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6143)، عن أبي الجعد الضمري.
[8]- متفق عليه : رواه البخاري في الأذان (858)، ومسلم في الجمعة (846)، عن أبي سعيد الخدري.
[9]- متفق عليه رواه البخاري (896)، ومسلم (849) كلاهما في الجمعة، عن أبي هريرة.
[10]- انظر فصل التوازن بين الروحيَّة والماديَّة من كتاب الشيخ (العبادة في الإسلام)، (ص 181، 184)، نشر مكتبة وهبة.
[11]- متفق عليه. رواه البخاري في الأذان (855)، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة (564)، عن جابر.
[12] - رواه مسلم في الإيمان (91)، عن عبد الله بن مسعود.
يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة:9-11].
يوم الجمعة يوم عيد للمسلمين:
شرع الله لنا يوم الجمعة نحن المسلمين ليكون عيدًا أسبوعيًّا، ومؤتمرًا دوريًّا ربانيًّا، يلتقي فيه الناس على طاعة الله، على كلمة التقوى، على ذكر الله عزَّ وجلَّ، وهذا لأن هذا اليوم يوم عيد للمسلمين، كُره فيه الصيام، فلا ينبغي الصيام في يوم العيد، فهو أشبه بالعيد السنوي، ولهذا كان الصيام في يوم العيد حرامًا، وفي يوم الجمعة مكروهًا. ومعنى الصيام هنا صيام التطوُّع، مَن أراد أن يتطوَّع بالصيام في يوم الجمعة فذلك مكروه، ولكن إذا أراد أن يقضي ما فات عليه، أو صادف يومًا من الأيام التي يُسنُّ فيها الصيام، كأن صادف يوم عرفة، أو يوم عاشوراء، أو صام يومًا قبله ويومًا بعده، فلا حرج عليه.
خصَّ الله تعالي يوم الجمعة بصلاة الجمعة:
يوم الجمعة عيد أسبوعيٌّ، ولهذا جمَّله الله بهذه الصلاة الأسبوعية، صلاة الجمعة فرضها الله في هذا اليوم، وجعلها بدل صلاة الظهر، فرضها فرضًا، فإذا نُودي إليها لم يَسَع مسلمًا أن يتخلَّف عنها، فرضها على الرجال دون النساء، وعلى المقيمين دون المسافرين، وعلى الأصحَّاء دون المرضى، ولكن إذا صلَّى المسافر الجمعة، أو صلَّت المرأة الجمعة، فلا حرج عليها، وقد كان النساء يذهبن إلى مسجد النبيَّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة، وفي الصلوات الخمس.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9]، ينبغي أن تتعطَّل أعمال الدنيا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، يَدَع البائع بيعه، ويَدَع المشتري شرائه، ويَدَع المستأجر إجارته، ويَدَع العامل عمله، يَدَعُون هؤلاء أعمالهم، ويذهبون إلى صلاة الجمعة، إلى ذكر الله عزَّ وجلَّ، إلى هذه الجماعة التي أوجبها الله تعالى في كلِّ أسبوع.
الإسلام دين الجماعة:
الإسلام دين الجماعة، وليس دينًا فرديًّا، لا يحب للمسلم أن يعيش وحده، "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"([1])، "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدُّ بعضه بعضًا"([2])، و"يد الله على الجماعة "([3]).
ومن هنا حثَّ الإسلام على صلاة الجماعة كلَّ يوم خمس مرات، فصلاة الجماعة سنَّة مؤكَّدة، بل واجبة في مذهب الإمام أحمد. مذهب الإمام أحمد يرى أن صلاة الجماعة واجبة على الرجال إلا من عذر، فمَن لا عذر له لا ينبغي أن يصلِّي وحده[4]. فإن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم همَّ أن يحرِّق على قوم بيوتهم؛ لأنهم يتخلَّفوا عن صلاة الجماعة([5]). ولم يُجِز لرجلٍ أعمى شاسع الدَّار أن يصلي في بيته ما دام يسمع النداء، قال له: "لا أجد لك رخصة"([6]). وذلك ليجتمع المسلمون كلَّ يوم على هذه الصلوات، فتقوى صلاتهم، وتتوثَّق رابطتهم، وتشتدُّ علائق أخوَّتهم، يسأل بعضهم عن بعض، فإذا غاب أحدهم عن الجماعة سألوا عنه، فإذا كان مريضًا عادوه، وإن كان مشغولاً أعانوه، وإن كان ناسيًا ذكَّروه، وهكذا كان المجتمع المسلم.
صلاة الجماعة اليومية خمس مرات، ثم يأتي الشرع الإسلامي ليوجب صلاة الجمعة في كلِّ أسبوع، صلاة الجماعة في مسجد الحيِّ، وصلاة الجمعة في المسجد الجامع، وهو تجمُّع أكبر، وهو تجمُّع واجب، وتجمُّع مفروض، يخرج المسلم من بيته، أو من متجره، أو من أيِّ مكان هو فيه، إذا سمع النداء، ليجيب نداء الله، ويؤدِّي فرض الله، ويلتقي مع أخيه على طاعة الله، {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9].
خطبة الجمعة لذكر الله:
إنه سعي إلى ذكر الله؛ لأنَّ صلاة الجمعة عبادة لله، وخطبة الجمعة خطبة لذكر الله، ليست لذكر فلان ولا علان، قد يخطب الخطيب في قضايا الناس، ويتحدَّث عن مشكلات الناس، ويجيب عن تساؤلات الناس، ولكن تظلُّ الخطبة لإقامة ذكر الله، يتخلَّلها ذكر الله، والتذكير بالله، وبأسماء الله، وبلقاء الله، وبحساب الله، وبدين الله، وبفرائض الله، وبحرمات الله. هي ذكر لله؛ ولذلك تبدأ بالحمد الله، وبالشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وبالحث على تقوى الله.
لا يجوز التخلُّف عن صلاة الجمعة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9]، لا ينبغي لإنسان أن يظلَّ مشغولاً عن صلاة الجمعة، لا ينبغي أن يكون ديدن المسلم كلَّ أسبوع أن يسافر ويتنزَّه ويرتحل ليضيع صلاة الجمعة على نفسه، وتمرُّ الأيام والأيام وهو لا يصلِّي الجمعة، لا يجوز أن يتخلَّف عن الجمعة بلا عذر ثلاث مرات، ففي الحديث: "مَن ترك ثلاث جمع تهاونا من غير عذر طبع الله على قلبه "[7]. طبع الله على قلبه، ختم على قلبه فلا تصل لهذا القلب أشعة، ولا أنوار التوحيد.
يصبح قلبًا مظلمًا مغلقًا مطبوعا عليه، {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23].
صلاة الجمعة فريضة أسبوعية، ينبغي أن يحرص عليها المسلمون، وأن يتجمَّع عليها المسلمون، ولا يجوز لأحدِ أن يتخلَّف عنها، الإسلام ليس كاليهوديَّة، جعلت العمل في يوم السبت حرامًا، لا يجوز القيام بعمل دنيوي في يوم السبت، حتى إنه ابتُليت طائفة منهم بالصيد يوم السبت، تأتي الأسماك والحيتان شارعة مرتفعة أمامهم، فلم يُطيقوا صبرًا، فماذا فعلوا؟ احتالوا فوضعوا الشباك مساء يوم الجمعة، ليصيدوها بعد ذلك في يوم الأحد، وذكر ذلك القرآن فيما ذكره عن هؤلاء المحتالين على ما حرم الله، وجعلهم قردة، قال لهم: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65].
الإسلام لم يحرِّم العمل في يوم الجمعة:
ولكن الله سبحانه وتعالى أعفى هذه الأمُّة من ذلك، فيستطيع المسلم أن يعمل في أيِّ يوم من أيام الأسبوع، ليس في الإسلام تحريم للعمل الدنيوي في أيِّ وقت من الأوقات، يستطيع المسلم أن يعمل في يوم الجمعة، وأن يعمل في شهر رمضان، وأن يعمل في الأشهر الحرم.
كلُّ ما هو مطلوب منه، إذا سمع النداء يوم الجمعة عليه أن يستجيب، وَيَدَع كلَّ ما في يديه، مهما كان وراء ذلك من مكاسب، ومهما كان وراء ذلك من صفقات، القرآن يقول: {وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9]، لقد وصف الله المؤمنين أنهم في صلاتهم اليومية لا يشغلهم بيع ولا تجارة، ولا عمل من أعمال الدنيا التي تشغل الناس عن حقِّ الله تعالى.
تكلَّم الله عن المساجد فقال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:36-38]، لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فكيف بصلاة الجمعة؟ لا ينبغي للمسلم أن يلهيه شيء عن هذه الصلاة، وهذا هو شأن المسلمين، يحرصون على هذا اليوم، وعلى هذه الصلاة، صلاة هذا العيد الأسبوعي.
ما يُستحبُّ في يوم الجمعة:
يذهب إليها المسلم متطهِّرًا متوضأ، حسن المظهر، في أطيب ريح، من السنة أن يغتسل المسلم ليوم الجمعة، غسل يوم الجمعة سُنَّة، وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه واجب، لأن هناك حديث يقول: "غسل الجمعة واجب على كلِّ محتلم "[8]، وحديث يقول: "حقٌّ على كلِّ مسلم، في كلِّ سبعة أيام، يوم يغسل فيه رأسه وجسده"[9]. وأحقُّ هذه الأيام هو يوم الجمعة، حقٌّ عليه يوم يغسل فيه رأسه وجسده، فإذا كان الناس في الأديان السابقة يتقرَّبون إلى الله بالقذارة، حتى إن بعضهم وصف قديسًا فقال: ما أعظمه، لقد عاش عمره ولم يقترف إثم غسل الرجلين[10].
نحن في ديننا نعتبر الطهارة عبادة، والنظافة قُربة، والضوء شرطًا لصحَّة الصلاة، طهارة الثوب والبدن والمكان شرط لا بدَّ منه لعبادتنا اليومية الصلاة، ولعبادتنا الأسبوعية صلاة الجمعة، ولكلِّ صلاة.
يذهب المسلم لهذا اليوم مغتسلاً متطيِّبًا متعطِّرًا؛ حتى لا يُشمَّ منه إلا أطيب ريح، حتى إن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمر مَن كان كريه الرائحة ألا يأتي المسجد، كمَن أكل ثومًا أو بصلاً، حتى لا يُؤذيَ الناس، وقال: "مَن أكل ثومًا أو بصلاً فلا يقربنَّ مصلاَّنا، أو فليعتزل مسجدنا"[11]. فليذكر ذلك الذين يُؤذون الناس برائحة التدخين، لا يقربنَّ مصلاَّنا.
يذهب المسلم يوم الجمعة مغتسلاً متطهِّرًا متطيِّبًا متعطِّرًا، لابسًا أحسن ما عنده من ثياب، حتى يظهر بأحسن مظهر، يكون طيِّب المخبر وطيب المظهر، وكان للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثوبًا لصلاة الجمعة والعيد، وللقاء الوفود، أعدَّه ليلقى الناس بأحسن هيئة، فالله جميل يحبُّ الجمال([12]).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ..} [الجمعة:9].
ــــــــ
[1]- رواه أحمد (27513)، وقال مخرجوه: حسن، أبو داود في الصلاة (547)، والنسائي في الإمامة (847)، وابن حبان في الصلاة (2101)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (511)، عن أبي الدرداء .
[2]- متفق عليه: رواه البخاري في الصلاة (481)، ومسلم في البر صلة (2585)، عن أبي موسى.
[3]- رواه الترمذي في الفتن (2166)، وقال: حسن غريب، وصححه الألباني في إصلاح المساجد (61)، عن ابن عباس.
[4]- الكافي في فقه الإمام أحمد (1/287).
[5]- إشارة إلى الحديث المتفق عليه : " والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب، فيحطب، ثم آمر بالصلاة... " رواه البخاري في المساجد (644)، ومسلم في المساجد (651)، عن أبي هريرة.
[6]- رواه أحمد (15490)، وقال مخرجوه : صحيح لغيره، وأبو داود في الصلاة (552)، والنسائي في الإمامة (851)، وابن ماجه في المساجد (792)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (561)، وقال النووي في المجموع (4/191): إسناده صحيح أو حسن، عن عبد الله بن أم مكتوم.
[7]- رواه أحمد (15498) وقال مخرجوه: إسناده حسن، وأبو داود في الصلاة (1052)، والترمذي (500) وقال: حسن، والنسائي (1369)، والحاكم (1/280) ثلاثتهم في الجمعة، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6143)، عن أبي الجعد الضمري.
[8]- متفق عليه : رواه البخاري في الأذان (858)، ومسلم في الجمعة (846)، عن أبي سعيد الخدري.
[9]- متفق عليه رواه البخاري (896)، ومسلم (849) كلاهما في الجمعة، عن أبي هريرة.
[10]- انظر فصل التوازن بين الروحيَّة والماديَّة من كتاب الشيخ (العبادة في الإسلام)، (ص 181، 184)، نشر مكتبة وهبة.
[11]- متفق عليه. رواه البخاري في الأذان (855)، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة (564)، عن جابر.
[12] - رواه مسلم في الإيمان (91)، عن عبد الله بن مسعود.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى